سورة النبأ - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النبأ)


        


{وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)}
{وَفُتِحَتِ السماء} عطف على {ينفخ} على ما قيل وصيغة الماضي للدلالة على التحقق وعن الزمخشري أنه معطوف على {فتأتون} وليس بشرط أن يتوافقا في الزمان كما يظن من ليس بنحوي وأقره في الكشف وقال الشرط في حسنه أن يكون مقربًا من الحال أو يكون المضارع حكاية حال ماضية وما نحن فيه مضارع جىء به بلفظ الماضي تفخيمًا وتحقيقًا أقرب قريب منه ولو جعل حالًا على معنى فتأتون وقد فتحت السماء لكان وجهًا وقرأ الجمهور أي من عدا الكوفيين فتحت بالتشديد قيل وهو الأنسب بقوله تعالى: {فَكَانَتْ أبوابا} وفسر الفتح بالشق لقوله تعالى: {إِذَا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] وقوله سبحانه: {إِذَا السماء انفطرت} [الانفطار: 1] إلى غير ذلك والقرآن يفسر بعضه بعضًا وجاء الفتح بهذا المنى كفتح الجسور وما ضاهاها ولعل نكتة التعبير به عنه الإشارة إلى كمال قدرته تعالى حتى كان شق هذا الجرم العظيم كفتح الباب سهولة وسرعة وكان عنى صار ولدلالتها على الانتقال من حال إلى أخرى وكون السماء بالشق لا تصير أبوابًا حقيقة قالوا إن الكلام على التشبيه البليغ أي فصارت شقوقها لسعتها كالأبواب أو فصارت من كثرة الشقوق كأنه الكل أبواب أو بتقدير مضاف أي فصارت ذات أبواب وقيل الفتح على ظاهره والكلام بتقدير مضاف إلى السماء أي فتحت أبواب السماء فصارت كان كلها أبواب ويجامع ذلك شقها فتشق وتفتح أبوابها وتعقب بأن شقها لنزول الملائكة كما قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} [الفرقان: 25] ونزل الملائكة تنزيلًا فإذا شققت لا يحتاج لفتح الأبواب وأيضًا فتح أبوابها ليس من خواص يوم الفصل وفيه بحث نعم إن الوجه الأول أولى وقيل المعنى بفتح مكان السماء بالكشط فتصير كلها طرقًا لا يسدها شيء وفيه بعد وعلى ما تقدم في الآية رد على زاعمي امتناع الخرق على السماء وفيها على هذا رد لزاعمي كشطها كما هو المشهور عن الفلاسفة المتقدمين وإن حقق الملأ صدرًا في الأسفار أن أساطنتهم على خلاف ذلك والفلاسفة اليوم ينفون السماء المعروفة عند المسلمين ولم يأتوا بشيء تؤل له الآيات والأخبار الصحيحة في صفتها كما لا يخفى على الذكي المنصف.


{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)}
{وَسُيّرَتِ الجبال} أي في الجو على هيئتها بعد تفتتها وبعد قلعها من مقارها كما يعرب عنه قوله تعالى: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وهي تمر مر السحاب} [النمل: 88] وأدمج فيه تشبيه الجبال بحبال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما ينطق به قوله تعالى: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] {فَكَانَتْ سَرَابًا} أي فصارت بعد تسييرها مثل سراب فترى بعد تفتتها وارتفاعها في الهواء كأنها جبال وليس بجبال بل غبار غليظ متراكم يرى من بعيد كأنه جبل كالسراب يرى كأنه بحر مثلًا وليس به فالكلام على التشبيه البليغ والجامع أن كلًا من الجبال والسراب يرى على شكل شيء وليس هو بذلك الشيء وجوز أن يكون وجه الشبه التخلخل إذ تكون بعد تسييرها غبارًا منتشرًا كما قال تعالى: {وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا فكانت هباءً منبثًا} [الواقعة: 5، 6] والمستفاد من «الأزهار البديعة في علم الطبيعة» لمحمد الهراوي أن السراب هواء تسخنت طبقته السفلى التي تلي الأرض لتسخن الأرض من حر الشمس فتخلخلت وصعد جزء منها إلى ما فوقها من الطبقات فكان أكثف مما تحته وخرج بذلك التسخن عن موقعه الطبيعي من الأرض ولانعكاس الأشعة الضوئية وانكسارها فيه على وجه مخصوص مبين في الكتاب المذكور مع انعكاس لون السماء يظن ماء وترى فيه صورة الشيء منقلبة وقد ترى فيه صور سابحة كقصور وعمد ومساكن جميلة مستغربة وأشباح سائرة تتغير هيئتها في كل لحظة وتنتقل عن محالها ثم تزول وما هي إلا صور حاصلة من انعكاس صور مرئية بعيدة جدًا أو متراكبة في طبقات الهواء المختلفة الكثافة فاعتبار التخلخل فقط في وجه الشبه لا يخلو عن نظر وأيًا ما كان فهذا بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق فالله عز وجل يسير الجبال ويجعلها هباءً منبثًا ويسوي الأرض يومئذٍ كما نطق به قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا فيذرها قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا يومئذٍ يتبعون الداعي} [طه: 105، 108] وقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الارض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} [إبراهيم: 48] فإن اتباع الداعي الذي هو إسرافيل عليه السلام وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلا بعد النفخة الثانية وأما اندكاك الجبال وانصداعها فعند النفخة الأولى وقيل أن تسييرها وصيرورتها سرابًا عند النفخة الأولى أيضًا ويأباه ظاهر الآية نعم لو جعلت الجملة حالية أي فتأتون أفواجًا وقد سيرت الجبال فكانت سرابًا لكان ذلك محتملًا والظاهر أنها تصير سرابًا لتسوية الأرض ولا يبعد أن يكون فيه حكم أخرى وقول بعضهم إنها تجري جريان الماء وتسيل سيلانه كالسراب فيزيد ذلك في اضطراب متعطشي المحشر وغلبة شوقهم إلى الماء خلاف الظاهر.


{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)}
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} شروع في تفصيل أحكام الفصل الذي أضيف إليه اليوم إثر بيان هوله والمرصاد اسم مكان كالمضمار للموضع الذي تضمر فيه الخيل ومفعال يكون كذلك على ما صرح به الراغب والجوهري وغيرهما كما يكون اسم آلة وصفة مشبهة للمبالغة والظاهر أنه حقيقة في الجميع أي موضع رصد وترقب ترصد فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم وقيل ترصد فيه خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها وقيل ترصد فيه الملائكة عليهم السلام الطائفتين لتعذب إحداهما وهي المؤمنة وتعذب الأخرى وهي الكافرة وجوز أن يكون صيغة مبالغة كمنحار أي مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منهم واحد أو مجدة في ترصد المؤمنين لئلا يتضرر أحد منهم من فيحها أو مجدة في ترصد الطائفتين على نحو ما سمعت آنفًا وإسناد ذلك إليها مجاز أو على سبيل التشبيه وفي البحر أن مرصادًا معنى النسب أي ذات رصد وقد يفسر المرصاد طلق الطريق وهو أحد معانيه فيكون للطائفتين ومن هنا قال الحسن كما أخرج عنه ابن جرير وابن المنذر وعبد بن حميد في الآية لا يدخل الجنة أحد حتى يجتاز النار وقال قتادة كما أخرج هؤلاء عنه أيضًا اعلموا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى تقطع النار وقوله تعالى: {للطاغين} أي المتجاوزين الحد في الطغيان متعلق ضمر إما نعت لمرصادًا أي كائنًا للطاغين وإما حال من قوله تعالى:

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10